حــرب الوثـائــق ... وثـيــقة تــلد أخـــرى ! ... الجزء الأول
تشتعل هذه الأيام على الصعيد الداخلي البحريني معركة الوثائق والتي تتصدرها "وثيقة المنامة" بإعتبار أنها تمثل وجهة نظر جمعيات المعارضة والتي تقودها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وإن كانت هي الوثيقة الأكثر إثارة للجدل بسبب سقفها المرتفع جداً مقارنةً بسياسات باقي دول منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
أما الوثيقة الثانية المعروضة فهي "وثيقة الفاتح" والتي لم تنل حظها الكافي من التركيز الإعلامي لسببين:
السبب الرئيسي هو تركيزها على أمور ومُسَلَّمات دستورية عامة ونصوص جامدة تم نقلها من الدستور وميثاق العمل الوطني. ويعلم جميع من بالمسرح السياسي البحريني أن هذه النصوص بالأساس مُعطّلة، ولو تم تفعيلها منذ البداية بطريقة صحيحة لما وصل بنا الأمر لهذه الأزمة الطاحنة التي تعيشها البلد منذ ما يقارب العام.
السبب الثاني يتلخص في عدم مشاركة جمعية الوحده الوطنية الوليدة من رحم الأزمة ومن رحم "الفاتح"، فقد رفضت الوثيقة الأولى رفضاً قاطعاً بدون مناقشتها، وتهجمت على الوثيقة الثانية بشكل مضحك، على الرغم من أن "وثيقة الفاتح" تم إصدارها من قبل الجمعيات المكونة لتجمع الفاتح !.
الوثيقة الثالثة هي "النقاط السبع" التي عرضها سمو ولى العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إبان الأزمة، كبداية لحوار وطني في ذلك الوقت. وإن كانت نقاط مقتضبة إلا أنها تشكل وثيقة بحد ذاتها كونها صادرة من أحد أقطاب الحكم.
أما الوثيقة الرابعه والأخيرة فقد أخرجتها من بين الركام، وهي ورقة عمل بحثيه قدمها فضيلة الدكتور الشيخ عبداللطيف المحمود في مركز الخليج لسياسات التنمية تحت عنوان (دور المشاركة الشعبيه في صناعة القرار السياسي ومستقبل الديمقراطية في المنطقة) بجامعة الكويت عام1991م. وهذة الورقة البحثية مُعَبِّره بشكل أو بآخر عن توجه الشيخ المحمود قبل دخوله في تحالفات سياسية "جامدة" جعلت حركته ومبادراته شبه مشلولة لأنه أصبح رهين لهذه التحالفات بشكل واضح وجلي لا يخفى على كل مراقب للمشهد البحريني.
إن وثيقة المنامة تحمل في جوهرها ومضمونها استفزازاً ناهيكم عن اسمها. ففي جوهرها ومضمونها نرى توحد لرؤى المعارضة في مطالب واضحة ومحددة تحت عنوان بارز ملفت، فلم يعد بإستطاعة الدولة التذرع بأن المعارضة رؤاها ومطالبها متباينة أو غير موحدة أو غير واضحة، والأمر الآخر هو إطلاق اسم "وثـيــقة المـنـامــة" والذي يثير الكثير من الاستفزاز للدولة، فربــط الوثيقة بالعاصمة السياسية فيه ما يشبه التـجـاوز على "الحــكم" بطريقة فجّة، فكثيراً ما تطلق الدول على ما تصدره من بيانات أو اجتماعات مسميات مقرونة بالعاصمة السياسية للدولة مثال: (إعلان دمشق – إعلان الرياض الخ.. من هذه التسميات). لهذه الأسباب أصبح بالإمكان تفسير إيعاز الدولة للجمعيات الموالية أو المحسوبة عليها بالهجوم الشرس على الوثيقة دون التطرق لفحواها أو مناقشة ما جاء فيها. وعلى الرغم من ذلك تبـقى هذه الأمــور شكليات لا أهمية لها أمام جوهــر الوثيقة ونقاطها ..
لن أتطـرق للديباجة والمقدمة والكلام المنمق، ولكن سأقفز مباشرة للكلام عن نقاط وثيقة المنامة الخمس والتي يجب أن تكون "مســودة" يمكن البنـاء عليها في أي طــور، لأنها تُشــكّل في جـوهــرها مطالب معظم ثورات الربيع العربي - إن اعتبرنا أن ما حدث في البحرين ثورة ويطول الكلام في ذلك – والتي لم يعترض عليها إلا من كانت تمثل له خطر ضرر أو انتهاء لمصالحه ..
النقطة الأولى: حـكـومة منتخبة .. حكومة شعبية .. حكومة تمثيلية
أقر دستور مملكة البحرين في مادته الأولى أن نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا. وهذه المادة على سهولتها ووضوحها يتم تأويلها من قبل كل الأطراف السياسية بناءً على مصالح هذه الأطراف. وثيقة المنامة نقطتها الرئيسية الأولى (حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية)، وفي النقاط السبع التى عرضها سمو ولي العهد كانت النقطة الأولى حكومة تمثل الإرادة الشعبية، وفي ورقة العمل السابق ذكرها للشيخ عبداللطيف المحمود نجد أنه لم يتطرق لشكل الحكومة وإنما أكد على ضرورة الفصل التام بين السلطة التشريعية والسلطة الحاكمة. أما وثيقة الفاتح فلم تذكر هذه النقطة الرئيسية إما لأنها غير مهتمة بكيفية تشكيل الحكومة أو لأن هامش الحركة لديها لا يمكنها من الخوض في هذه التفاصيل!.
مما ذكر ممكن أن نتوصل إلى استنتاج: دستورياً "الحكومة تمثل الشعب مصدر السلطات" وفي نقاط سمو ولي العهد السبع "حكومة تمثيلية تمثل الإرادة الشعبية" ... فأيهما أصلح للبحرين في هذه المرحلة ؟؟
لعل الحديث عن حكومة منتخبة في هذه الأجواء المشحونة وإنعدام الثقة بين المكونيين الرئيسيين في البلد قد يؤدي إلى تزايد الإنقسام، وإن الأفضل - مرحلياً على الأقل - هو تشكيل حكومة تمثيلية لعبور الأزمة، حيث يتم إشراك الجميع في هذه الحكومة وإن كانت نسب المشاركة بحسب نسب التمثيل البرلماني الحالية، على أن تكون الشخصيات المشاركة أقرب إلى "التكنوقراط" لتلطيف الأجواء وإعادة بناء الثقة تدريجياً والإبتعاد عن غلواء السياسة والسياسيين.
ربما ينزعج البعض من هذا الرأي، وبخاصة أن نصيب جمعية الوفاق من هكذا تمثيل سيكون مقارباً لنصف الحقائب الوزارية، بينما سيكون نصيب جمعيتا المنبر والاصالة ثلاث حقائب في أفضل الأحوال، مما قد يصيب الشارع الموالي بصدمة ممكن أن تؤدي إلى حدوث انفلات بالشارع بطريقة معاكسة هذه المرة، بسبب الشحن الاعلامي المستمر منذ ما يزيد عن عشرة أشهر ضد جمعية الوفاق واتهامها بأنها ذات أجندة خارجية وإنقلابية. وإن كانت طريقة التعاطي مع الشارع الموالي مختلفة، إلا أنه لا يمكن إزالة ومسح كل ما قيل بجرة قلم واحدة.
وقد يكون ترشيد الإعلام وتوجيهه إلى المصالحة والإبتعاد عن التخوين بشكل جاد مدخلاً جيداً لإعادة اللُحمة الوطنية وتبريد الوضع السياسي الحاصل في شارع الموالاة الذي وصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يقبل التفكير في هكذا حل، كإشراك جمعية الوفاق في تشكيلة الحكومة وإن كان بعدد هزيل، فكيف سيقبل حصولها على حصة الأسد ضمن محاصصة حذّر منها كثيراً الشيخ عبداللطيف وكأنه كان يستشرف أن هذا الأمر سيأتي لاحقاً كأمر واقع تحدده خيارات الناس على الأرض.
ولو رجعنا للوراء قليلاً ولو قرأ تجمع الفاتح الوضع الداخلي بشكل جيد وفي نفس الوقت لو قرأت الوفاق الوضع والتوازن الداخلي والبعد الخليجي، لأمكن حل هذه الأزمة التي عصفت ببلادنا في شهر فبراير الماضي وبأقل التكاليف، ولكان سمو ولي العهد يقف في المنتصف على يساره المعارضة وعلى يمينه الموالاة، ولتمكن من إدارة المشهد باقتدار في وجود التدافع السياسي من قبل المكونيين بطريقة تضمن عدم تهميش أي منهما، ولكن السقف العالي للمعارضة التي تم التشكيك في نواياها بالإرتهان للقوة والنفوذ الاقليمي من جهة، والسقف المتواضع للموالاة والذي جعلها رهينه لتحالفات سياسية داخلية جامدة، جعل الوضع غير متزن وانحدر بمجريات الأمور بشكل دراماتيكي أدت الى فقدان البحرين لسمعتها واقتصادها وعرّض هيبة نظام الحكم لهزة قوية، وأدخلنا في إشكالات قانونية على مستوى الإتفاقيات الدولية التي أقرها الحكم والتزم بها والخاصة بالعهد الدولي والانتهاكات وسجل حقوق الانسان.
يتبع ...
المراجع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق