انتهينا في المقال السابق من النقطة الأولى، وهي تشكيلة الحكومة وخلصنا إلى نتيجة مفادها إمكانية التوصل إلى صيغة تُرضي الطرفين: الحكومة من جهة وجمعية الوفاق من جهة أخرى.
بالرغم من أن كل طرف يجد نفسه قد انحشر في زاوية حرجة. فالوفاق أمامها جماهيرها التي فقدت عشرات الضحايا من القتلى والجرحي والمفصولين وأمضت الشهور السابقه في تسويق "وثيقة المنامة" كحل وحيد لإرضاء الشعب، والحل من الناحية العملية بلا شك سيكون أقل سقفاً من وثيقة المنامة. بينما الحكم لا يستطيع التخلي بسرعة من الإرث التاريخي، والذي يتمثل بوجود تيار قوي في العائلة الحاكمة يقف ضد أي تنازلات جوهرية، بسبب تجذر هذا الإرث منذ ما يزيد على قرنين من الزمان، بالإضافة إلى تحالفاته مع القبائل التي دخلت معه البحرين والتي ستشعر حتماً بخطر هذه التنازلات عليها.
ولكن في النهاية سيجد الحكم نفسه مضطراً أمام الإستحقاق الشعبي والضغوط الدولية من جهة، وزخم الربيع العربي الذي يعطي الحراك مجالاً أرحب للتحرك، جاعلاً ما حدث في تونس ومصر وليبا ملهماً لثورته. كل هذه العوامل تدفع نحو تنازلات جوهرية هذه المرة بعكس التنازلات الشكلية التي قُدِّمت في الميثاق .
النقطة الثانية : سلطة تشريعية ونظام انتخابي عادل
بالرجوع إلى وثيقة الفاتح، وبعد قراءتها مراراً وجدت أنها لم تركز على الصلاحيات المطلوبة للبرلمان القادم أو على أية آلية تساعد في تطوير العملية الانتخابية، فكل ما ذكر كان مجرد كلام عام مبهم. حيث ذكرت الوثيقة:
"تعزيز مبدأ الرقابة البرلمانية على الحكومة من خلال رفض تعيين الوزراء في حالة تصويت ثلثي أعضاء المجلس المنتخب للوزير مع الحفاظ على حق الملك في تعيين رئيس الوزراء".
من خلال هذه الفقرة نلاحظ أن الوثيقة اختزلت حل الأزمة كلها في رفض تعيين وزير، والإشكال على أرض الواقع أكبر بكثير من مجرد وزير، كما أنه يصعب الحصول على الثلثين في وضع طائفي منقسم كالوضع الحالى، إضافةً إلى البند الآخر الذي ذُكر في وثيقة الفاتح، وهو الإصرار على التوافق وليس على الخيار الشعبي، وهذا بالطبع يعكس الحقيقة المرة والمخيفة لمن تبنوا الوثيقة ونسبة التمثيل الهزيلة التي يتوقعونها مستقبلاً.
وعند الحديث عن رؤية الشيخ عبداللطيف المحمود فقد تم ذكرها في الدراسة المذكورة سلفاً في الجزء الأول، حيث قام بذكر بعض النقاط الخاصة بالسلطة التشريعية:
أن الحكومة مدعوة لتحقيق المشاركة الشعبية في سياسة الدولة، وذلك لا يتم إلا إذا:
1. وُجدت مجالس تشريعية يُنتخب أعضاؤها انتخاباً حراً مباشراً.
2. لا يكون رأي المجالس التشريعية استشارياً.
3. اختصاص المجالس التشريعية هو اختصاص المجالس التشريعية في الدول المتقدمة.
فمن النقطة الثالثة نستشف أن المجلس التشريعي لا يكون مؤثراً إلا إذا اختص بما تختص به المجالس في الدول المتقدمة، ومن هذه الاختصاصات طرح الثقة في الحكومة وعزلها ومحاسبتها كما نشاهد في الإعلام. ومع ذلك يظل موقف الشيخ الحالى أقل بكثير مما طرحه قبل عشرين سنة، حيث وضع نفسه في تحالفات لا تمكنه في هذا الوضع من الإفصاح عن مثل هذه الطلبات أو المبادئ.
أما وثيقة المنامة فقد كانت أكثر شمولية في نقطتها الثانية والثالثة وهما: سلطة تشريعية تتكون من غرفة واحدة منتخبة تنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية، إضافةً إلى النقطة المكملة الأخرى وهي: نظام إنتخابي عادل يتضمن دوائر إنتخابية عادلة تحقق المساواة بين المواطنين وفق المبدأ العالمي للإنتخابات: "صوت لكل مواطن".
في النقطة الأخيرة يكمن خوف المكون الآخر الناتج عن ما يراه خلل في التركيبة السكانية لصالح الوفاق، وأي شخص حصيف يُجيد علم الأرقام يمكنه أن يستنتج الظلم الواقع على الوفاق بسبب ظلم الدوائر، ولكن من ناحية أخرى هل الدوائر عادلة بالنسبة للطائفة السّنية في البحرين؟؟.
في اعتقادي الشخصي أن توزيع الدوائر أوقع ظلماً كبيراً على أهل السنة في البحرين أيضاً لسبب بسيط، لأن التلاعب لا تقوم به الدولة إلا في الدوائر المختلطة أو السنية. ففي الإنتخابات الأخيرة على سبيل المثال، كان من الواضح أن السلطة تريد إيصال أكبر مجموعة من النواب المستقلين إلى المجلس على حساب جمعيتي المنبر والأصالة، وتحقق ذلك بكل سهولة ويسر. لذا نجد أن تعديل الدوائر وفق المبدأ العالمي "صوت لكل مواطن" سيضمن حق كل مواطن في إيصال صوته وسيتم الفرز على الوجه الأفضل بوصول وجوه سنية أكثر استقلالية وأقل ارتهاناً للحكم.
في المحصلة نجد أن تغيير الدوائر سيمكن الوفاق من تشكيل الأغلبية المريحة في المجلس النيابي والتي لن تقل بأي حال من الأحوال عن 60 بالمائة. ولكن هل سيصل إلى البرلمان من الطيف السني وجوه جديدة قادرة على أن تكون مُنصفة ومستقلة عن ما يطرحهُ الحكم؟. والسؤال الجوهري الآخر ماذا عن مجلس الشورى؟ هل سيصبح مجرد غرفة للمتقاعدين والمتنفذين الباحثين عن وجاهة ما بعد التقاعد؟ كل هذه الأسئلة الأيام كفيلة بالإجابة عليها ...
يتبع ...
حــرب الوثـائــق ... وثـيــقة تــلد أخـــرى ! ... الجزء الثاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق