الجمعة، يونيو 15، 2012

حــرب الوثـائــق ... وثـيــقة تــلد أخـــرى ! ... الجزء الثالث



حــرب الوثـائــق ... وثـيــقة تــلد أخـــرى !      ... الجزء الثالث

عندما يختل ميزان العدالة ..
يسقط العقل و تختال الجهالة..
يصبح الحلم هروبا و استحالة ..
و اعتناق الحق بحمق و ضلالة..  (سيد حجاب)


 النقطة الثالثة : قـضاء عــادل مســتقل


يكتسب القضاء أهميته الكبرى من حيث اعتباره الضمانة الرئيسية لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، والضمانة لترجمة مبدأ سيادة القانون على أرض الواقع. والقضاء المستقل يشكل القاعدة الرئيسة في بناء دولة الحق والقانون وأحد المقومات الضرورية للنهوض بمجتمع ديمقراطي متزن، كما يتخذ القاضي أهميته من أهمية المؤسسة القضائية المتكاملة التي يعمل من خلالها والتي يشكل فيها سداً منيعا في وجه الفساد والاستبداد، فبدون قاضي قوي نزيه مستقل إداريا ومالياً، لن يكون هناك عدل أو احترام لحريات الناس ولن يكون هناك أي اعتبار لحقوقهم ولا حتى سيادة حقيقية للقانون، إذ سيختل الأمن وسينتشر الخوف وتُمتهن الكرامات.

في واقعنا البحريني ربما الشيء الوحيد الذي تُجمع عليه كل الجمعيات السياسية سواء كانت جمعيات المعارضة أو جمعيات الموالاة، هو الخلل الواضح في النظام القضائي والذي أصبح مثار تندر نتيجة لإرتهانه للمزاج السياسي السائد.
ففي حقبة السلامة الوطنية والقبضة الأمنية، كانت الأحكام سريعة وقاسية تعكس المزاج السياسي الانتقامي خلافاً للأحكام بعد صدور تقرير بسيوني، والتي كانت القضايا فيه تسحب قضية تلو الأخرى، إما لعدم وجود أدلة أو بسبب انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. وكان الشيء الملفت أن بعض المحاكمات تم سحبها وكأنها لم تكن، والبقية تنتهي إما بالإلغاء أو بالتأجيل بطريقة مضحكة تثير التندر والسخرية.
أنّى يمكن لأحد الوثوق بمثل هذا القضاء وبأحكامه التي تُنطق بناءً على أوامر مسبقه تعكس الحالة السياسية السائدة؟؟.
من هنا كان الالتقاء والاتفاق بين المعارضة والموالاة لأول مرة من خلال انتقاد السلطة القضائية، فالأولى تتهمها بتسييس الأحكام نتيجة الإقصاء السياسي الموجه للفئات المعارضة من أطباء ومدرسين ورياضيين وبقية القطاعات المحسوبة على المعارضة، فيما تتهم جمعيات الموالاة السلطة القضائية بالتسييس حيث ترى أن العفو عن "القتلة" تم بإملاءات خارجية وارتهان القضاء للقرار والمزاج السياسي القائم.
المحصلة مما سبق تشير بشكل جلي إلى أن القضاء في مملكة البحرين مُسَيَّس حتى النخاع، وأن قراراته ليست إلا أوامر فوقية تأتي وتصدر وفق المزاج السياسي القائم (حسب الفترة الزمنية: ما قبل التقرير وما بعد التقرير)، لذلك كان ما ورد بكل وضوح في كل من: وثيقة الفاتح والدراسة التي أعدها فضيلة الدكتورالشيخ عبداللطيف المحمود ووثيقة المنامة حسب ما يلي:
ففي وثيقة الفاتح تمت الإشارة إلي مجموعة من النقاط أهمها:
1.  إصلاح القضاء وتعزيز الاستقلالية اللازمة له بناءً على مبدأ الفصل بين السلطات.
2.  تنفيذ الأحكام القضائية ووقف التدخلات التي تحول دون سريانها أوالتدخل في سير العدالة وتطوير وتفعيل التشريعات التي تنظم عملية العفو.
3.  المساواة في تطبيق القانون على الجميع دون محاباة أو تهاون.
وفي دراسة الشيخ عبداللطيف المحمود فقد أرجعت الإشكالية إلي غياب النظام القضائي المتكامل الشامل للمحاكم الإدارية والمحاكم الدستورية للفصل في المنازعات التي تقوم بين الجهات الإدارية وبين السلطة التنفيذية والمواطنين ومن خلالها تتم المراقبة للقوانين وتطبيقها.
أما وثيقة المنامة فكانت هي الأكثر إحاطة بالإشكال الخاص بالسلطة القضائية فقد ذكرت الوثيقة أنها تدعو لقيام سلطة قضائية موثوقة من خلال الاستقلال المالي والإداري والفني والمهني، الذي يضمن استقلال جميع الإجراءات القضائية عن أي من السلطات. كما تدعو لوجود عناصر قضائية ذات كفاءة ومحايدة وجريئة ومستقلة يتم تعيينها وفق آليات تضمن وصول أفضل العناصر لشغل المناصب القضائية بصورة شفافة، في ظل سيطرة مجلس مستقل للقضاء ونظم تفتيش قضائي تضمن جودة مخرجات القضاء بأن يكون أمين على حقوق وحريات المواطنين وسياجاً ضد أي اعتداء عليها، خاصة إذا كان التعدي من أجهزة الدولة ومسئوليها والمتنفذين، ويكون محل ثقة المتقاضين للوصول إلى الترضية القضائية. وبذلك يحل محل أجهزة قضائية وصفت منظمة العدل الدولية بعض أحكامها بـ "العدالة الزائفة" كما وصفتها نافي بيلاي المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأنها تشكل "اضطهاد سياسي".
نتوصل من خلال ما سبق ومن الوثائق سالفة الذكر إلى شبه إجماع على الاعتلال الحاصل في السلطة القضائية، وإن كان مسمى "سلطة" فيه إجحاف بالسلك القضائي التابع بشكل كبير لإرادة الدولة وتوجهاتها، مما أدى إلى فقد الثقة في الجهة التي كان من المفروض ومن المسلم به في كافة الأعراف الدولية أن يكون لها كلمة الفصل في إحقاق الحق وإرساء العدل ولجم المعتدي وإنصاف الضحية.
وقد قيل على لسان ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، وبعد ان تم تدمير البنى التحتية  لبريطانيا في الحرب: طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير، فكل البلد بخير !! .. وهذا هو سر الديمقراطية البريطانية العريقة .. العدل ثم العدل ..
                            
                                                                                يتبع...


ليست هناك تعليقات: