الجمعة، سبتمبر 28، 2012

أزمة البحرين والكيمياء

 
أزمة البحرين والكيمياء
 
 
نظرية التوازن الكيميائي وديناميكية الجماهير
الوفاق وائئتلاف 14 فبراير نموذجاً: بالعودة للثالث من فبراير 2011 أصدر مجموعة من الشباب في مواقع التواصل الإجتماعي دعوات تحشيد لما عُرف باسم "يوم الغضب" داعين فيه للخروج في مسيرات احتجاجية تجوب أرجاء البلاد في يوم 14 فبراير، وجاءت هذه الدعوات بعد انتشار مثيلاتها في العالم العربي، وبدا أن رياح الربيع العربي قد وصلت للبحرين..

  تزامن الأمر مع الانتهاء من مفرزات الدورة الانتخابية لمجلس النواب لعام 2010 مع محصلة مشابهة لدورة عام 2006 وبنمط لم يختلف في تشكيل الحكومة وسط تصاعد وتراكم للمشاكل المعيشية والإجتماعية الأساسية. وبدا جلياً أن مجرد الإعلان عن هذه الدعوات قد حفز السلطة المحلية بتفاعل غريب من نوعه تمثل بإعلان مفاجئ لزيارات قام بها ولي العهد لمعظم القرى الساحلية الغربية لتحريك ملفات عالقة كمشروع إسكان المنطقة الغربية إضافةً للإعلان عن مكرمة الألف دينار لكل عائلة بحرينية وهو ما لم تتعود عليه مسامع الشارع البحريني مع نمط "محدودية" تكلفة المكرمات السابقة !!!
 
حينها كان الوضع السياسي في البحرين راكداً رتيباً ومملاً، وكان التشاؤم هو سيد الموقف عند طرح أي تساؤل عن المستقبل. ومصداقاً لهذه الأجواء أستذكر تصريحاً لسمو ولي العهد في ذلك الوقت عندما قال أن مسيرة الإصلاح بطيئة، بينما بعض الأطراف كانت لا تعتقد بوجود أي إصلاح وأن تمرير دستور 2002 قد قضى على الميثاق. بعد قراءة البيان الصادر في الثالث من فبراير مجدداً لوحظ فيه الجرأة الشديدة في الطرح، تبادرت للذهن عدة تساؤلات لابد منها .. من أخرج البيان المذكور؟ ومن هم شباب 14 فبراير؟ وهل هناك إرتباط بينهم وبين الجمعيات السياسية القائمة مثل جمعية الوفاق؟، وتحديداً إلى أين آلت الأمور أثناء الحراك؟ وكيف تغيرت بعد قمعه؟.
 
هذه التساؤلات الكثيرة لا مجال لمناقشتها في هذا المقال، لن أقوم ببحث الخلفية التاريخية لتكون ونشأة ائتلاف 14 فبراير، ولن أستطرد في معرفة خفايا العلاقة بين الإئتلاف والوفاق، ولكنني سأركز على قياس مزاج الشارع بشقيه: المعارض والموالي، والبوصلة التي تغير اتجاهه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من إمكانية قبول الإصلاح تحت مظلة النظام الملكي القائم إلى الأشد تطرفاً بالمطالبة بإسقاط النظام والدعوة لنظام جمهوري. والمتتبع في الشهور الماضية يستشف أحياناً وبكل وضوح توافق بين الإئتلاف والوفاق، ولكن في أحيان أخرى يمكن ملاحظة الشد والجذب بينهما، وفي أحيان قليلة أخرى يصل التوتر بين الطرفين إلى حد التشكيك في أهداف الوفاق وأنها تميل إلى قبول صفقة حكومية على حساب الشهداء والمعذبين بالتركيز على التضحيات وعلى الجانب العاطفي تحديداً.
 
وهنا لي وقفة علمية وجيزة ألتمس منكم العذر فيها، فدائما ما يلجأ من تواجهه مشكلة تقنية أوعملية لنظام النمذجة، وهي عبارة عن صنع نموذج مصغر "PROTOTYPE MODEL" ويبدأ بتثبيت المتغيرات لبحث تأثير كل متغير في البيئة المحيطة، وبالتالي دراسة أثر هذه المتغيرات. وفي أحيان أخرى يلجأ صانعوا الاستراتيجيات إلى ما يسمى "النموذج الرياضي" أو "الفيزيائي" لتبسيط المشاكل الأكثر تعقيداً "COMPLEX PHENOMENA"، ويتم إجراء ذات الاختبارات على متغيرات مختلفة. ما هو النموذج الرياضي الذي يمكن اسقاطة على علاقة مزاج جماهير المعارضة في اقترابها من اطروحات الوفاق أو ائتلاف 14 فبراير أو افتراقها عن أي منهما؟. وبعد البحث والتنقيب وصلت لعلاقة مهمة في مادة الكيمياء وهي "التفاعلات المتزنة" والتي أثبتها العالم الفرنسي لاتشالييه.
 
قد يتسائل الكثيرين عن العلاقة بين الأزمة السياسية والوفاق أو إئتلاف 14 فبراير وبين الكيمياء .. قد يتندر البعض وقد يضحك البعض الآخر وقد يستهزأ البعض وقد يتفق معي الباقين. التشابه بين الكيمياء والأزمة البحرين هي صعوبة الاثنتين!. ولكن دعوني أشرح نظرية الاتزان الكيميائي بعجالة، تقول النظرية في التفاعلات المتزنة فإن الظروف والبيئة المحيطة بالتفاعل هي التي تحدد نتائج التفاعل.
لتبسيط الأمر:  في التفاعلات الكيميائية المتزنة تكون الظروف المحيطة بالتفاعل هي التي تحدد اتجاة التفاعل فقد يكون طرديا ينتج أكبر كمية من المادة B  وبتغيير الظروف قد يتجة بطريقة معاكسة الي انتاج اكبر كمية من المادة A  كما نرى في العرض المرفق مثلا لتأثير أحد المتغيرات وهو الضغط المحيط بالتفاعل :
عند التفاعل:
إن كان التفاعل طردياً أو عند زيادة الضغط على A قد يتجة التفاعل لانتاج كمية أكبرB
ولكن عند تغيير الظروف المحيطة بالتفاعل، أو عند خفض الضغط على B قد يتحول التفاعل للناحية العكسية بحيث تتحول النتائج لانتاج أكبر كمية منA
والضغط يعتبر متغير ومؤثر واحد فقط، وقد تكون هناك عوامل أخرى مثل درجة الحرارة والتركيز والعوامل المحفزة وتفاصيل أخرى كثيرة.
والآن بعد الحديث الكيميائي الجاف .. ما أريد قوله هو: هل بالإمكان تطبيق هذه النظرية لقياس سلوك جماهير المعارضة واتجاهها بحيث يتم اسقاط نظرية لاتشالييه بهذا النموذج المرفق
ان افترضنا أن المعادلة بين الوفاق والائتلاف خاضعة لنظرية الإتزان الكيميائي، يعني ذلك أن الظروف المحيطة بالتفاعل هي التي تحدد اتجاه الجماهير بشدة، بل قد تُمكن أحد الطرفين من استقطاب أصوات كثيرة في لحظات معينة نتيجة لتغيير مفاجئ يطرأ على الساحة المحلية. فما هي العوامل الرئيسية التي تؤثر في اتجاه التفاعل سواء طردياً باتجاه الوفاق أو عكسياً باتجاه الائتلاف؟.
 أول هذه العوامل هو:
التأثير الحكومي: فزيادة الضغط على الشارع سواء إعلاميا أو سياسياً أو أمنياً يؤدي لتفاقم وتفجر مشاعر مضادة كردة فعل تجعل الجماهير تتبع الأطراف المعاكسة الأكثر تشدداً كسلوك انتقامي وقتي، كسقوط ضحية صدامات أمنية مثلاً أو الاعتداء على النساء وما تصاب به النفوس من غضب، أو الازدراء برجال الدين الشيعة، لمعرفتنا بمدى حساسية جماهير المعارضة تجاه انتقاد أي عالم من علماءهم، ففي نظرهم أن العالم هو تمثيل للمذهب واسقاطه هو اسقاط لعقائد موجودة. في المقابل نرى عند رفع الضغط الحكومي وحدوث نوع من الهدوء والتهدئة، تبدأ التفاعلات بالتغير والاتجاه طردياً، ويزداد ارتباط الجماهير بالوفاق، والتي هي في النهاية ممثلة للمرجعية الدينية الحافظة للطائفة.
لعل أبسط وأوضح مثال على ذلك يمكن الملاحظة وبكل سهولة أن عند السماح للإعتصامات والمسيرات ينعكس ذلك حتى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يخف التشنج وتخف الكتابات بشكل مثير، كذلك على المستوى الأمني تتلاشى الحرائق من الطرقات وتكاد تختفي.
ومن الملفت أن هذا الشارع أصبح شديد الحساسية، فبمجرد أن بدأ الهمس والحديث عن إمكانية عرض ملف البحرين في مجلس الأمن عبر التصريح الروسي المسرب، حتى ارتفعت وتيرة الهجوم على الحكومة وارتفعت سقوف الحل بشكل غريب، وكأن الأمر قد حسم، ولاحظنا في ذلك الاسبوع تغير مزاج الجماهير بشدة وتحولها للاتجاه العكسي (تجاه الائتلاف).ضغط الدولة يتأثر أيضاً صعوداً ونزولاً بناءً على الوضع الاقليمي والانتقادات الحقوقية والضغوط الدولية والإعلامية، لذلك نجد أن هناك عوامل أخرى تحد من الضغط الحكومي.
 
تأثير المرجعية الدينية: أحد الشباب الذي يتبني خطابات إئتلاف 14 من فبراير عندما واجهته بسؤال عن تأثير المرجعية الدينية على المجاميع الشبابية وارتباط هذه المرجعية بالوعي الجماعي الشيعي، قلل من أهميتها مفنداً ذلك بأن الكثير من الشباب لم يعد مرتبطاً بالمرجعية كما كان في السابق، وأن توجه الشباب صار أكثر تحرراً وأصبح صعب الانقياد. ولكن هذا الكلام ينفيه ما حصل في الخطبة الشهيرة لرجل الدين آية الله عيسى قاسم والتي غضب فيها للانتهاكات الموجهة للنساء وقال جملته الشهيرة: من وجدتموه يعتدي على عرض فتاة مؤمنة فاسحقوه. فما هو تأثير هذه الجملة على معادلة التوازن السالفة الذكر؟.
وجدنا تأثيراً مباشر لهذه الجملة عند المجاميع الشبابية، بل وصل البعض الى اعتبارها بأنها فتوى للجهاد، وزاد التصعيد الأمني وزاد استخدام الزجاجات الحارقة "المولوتوفات". وهنا نقف أيضا أمام حيرة من نوع آخر وهي هل المرجعية الدينية من القوة بحيث توجه التفاعل إن كان طرديا باتجاه الوفاق أو عكسياً باتجاه الائتلاف بناء على الوضع السياسي بإيجاد وجهين للمعارضة: معارضة طيبة ومعارضة شريرة وتمسك بكافة الخيوط لاحداث توازن تستفيد منه؟؟.
 
تأثيرالوفاق: نعود لبداية الأحداث في فبراير، ونستذكر الإستقالة الجماعية لنواب الوفاق من المجلس النيابي، ماذا كان سببها؟ وهل كانت مبررة؟ وإن حاولوا تبريرها، هل كان التوقيت سليم؟. يذهب رأي أحد المهتمين في الشأن السياسي إلى اعتبار استقالة أعضاء الوفاق بسبب فهمها للتوازن الكيميائي بينها وبين الائتلاف، وأن غيابها عن الشارع وهو في حالة هيجان مع سقوط ضحايا قد يؤدي الى اختلال المعادلة واتجاهها عكسياً بشكل عنيف تجاة ائتلاف 14 فبراير، والذي يدفعه زخم الربيع العربي.
واجهت أحد مؤيدي جمعية الوفاق بوجهة النظر هذه فسارع الى نفيها، وأن الوفاق في النهاية تعتبر ممثلة لقطاع عريض من الشعب تعرض أفراد فيه للقتل، وبالتالي فالاستقالة كانت لاتخاذ موقف، وأضاف: الوفاق تدرك جيدا أن وجودها في المجلس النيابي إبان الأزمة لا طائل منة لسببين، الصلاحيات الركيكة التي يمتلكها المجلس والتي لا تمكنه من مسائلة وزير فضلاً عن إقالة حكومة بالإضافة بأنها لا تملك أغلبية يجعل هامش تحركها في المجلس محاصر. والسؤال المطروح هل العلاقة بين الوفاق والائتلاف علاقة تنافس في الاستحواذ على الشارع أم هي علاقة تكامل سياسي، أحدهما يمثل المعارض الطيب والآخر يمثل المعارض الشرير.
ونستذكر هنا بعد نهاية مرحلة السلامة الوطنية بدت تنتشر سلوكيات مختلفة، مثل سكب الزيت في الشوارع واغلاق الشوارع بواسطة السلاسل، وأثارت هذه السلوكيات حينها الكثير من اللغط والشد والجذب، ولكن الحملة التي قادتها الوفاق سواء عبر بياناتها أو مواقع التواصل الاجتماعي أدت الى انحسار هذا النوع من السلوكيات واختفاءها تماماً، لأن نتائجها قد تؤدي لجر البلد لصدامات أهلية متوقعة وخصوصاً أن المستهدفين هم عوام الناس. الشاهد من هذا المثال أن الوفاق تمتلك من المرونة والقوة بحيث تستطيع احتواء الكثير من المجاميع، وتختلف أساليبها من الخطابة المباشرة إلى رفع السقوف، وأهمها على الإطلاق هو تمثيلها السياسي للمرجعية الدينية.
 
من الأمور الأخرى التي تساهم في حدوث توازن بين الضغط الحكومي من جهة وقدرة جمعية الوفاق على تحمل هذا الضغط والرجوع لمرحلة التوازن، هو إحراج الحكومة ومن خلفها الحكم، وذلك عن طريق تصعيد التظاهرات في العاصمة المنامة، لما تملكة العاصمة من رمزية لدى الحكم ولدى المعارضة ولدى المجتمع الدولي، حيث أصرت الوفاق على الخروج يوم الجمعة 7 سبتمبر في مسيرة وسط العاصمة، وتم قمعها وأغلقت المنامة  ليوم كامل وبدأ التصعيد الإعلامي الحكومي، ولكن اقتراب جنيف والوضع الدولي أرجع الإتزان وكأن الوفاق تقول للحكومة: إن لم تسمحوا لي بالمسيرات، لن تنعموا بنهاية أسبوع مريحة في المنامة..!!، ويبدو أن التفاعل أصبح أكثر اتزاناً، فبدأنا نرى السماح برجوع مسيرات شارع البديع وتجمعات المقشع على أن تصمت الوفاق عن المطالبة بمسيرة في المنامة.
تأثير كلمة حوار: من المضحك والغريب في وضع الأزمة البحرينية أن كلمة "حوار" أصبح لها مفعول سحري "مرعب" لدى البعض من الموالاة، فتصيبهم الهستيريا وممكن مراقبة وملاحظة ذلك جلياً عند بعض أصحاب أعمدة الرأي في الصحافة الحكومية، وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فنتفاجئ بكم هائل من الاستهزاء والاستنكار والمحاربة المستمرة لمجرد التفكير في "الحوار" مع من اصطلح عليهم لقب "الخونة". وفي اطرف المعارضة كذلك نجد الجزء الأشد تطرفاً في الشارع المعارض تصيبهم مفردة "الحوار" بالعصبية والتشنج، فهم يعتقدون أن نتائجه قطعاً ليس "إسقاط النظام"، وهذا ما لا يريدونه!! فهم يرون أن تكلفة إصلاح النظام مقاربة لتكلفة إسقاطه، وهذة نظرة قاصرة للأمور في ظل التوازنات الإقليمية والدولية القائمة.
الموالاة والعناصر الكيميائية الخاملة:
في الكيمياء توجد بعض العناصر والمركبات في صورة خاملة لا تتفاعل مع غيرها، ولكن علماء الكيمياء توصلوا إلى تصنيع بعض المواد المحفزة CATALYST تكون سبباً كافياً لتحويل التفاعلات الخاملة إلى تفاعلات أكثر نشاطاً وحيوية. وأرى أن إسقاط هذا التشبيه أوالنموذج على الشارع السني قد يكون صحيحاً، فمن ناحية بنيوية فإن هذا الشارع ينتسب منه قطاع كبير منة للمؤسسات الأمنية بأنواعها، وهي التي تحظر على منتسبيها العمل السياسي، ومن نتائجه أن القوى السنية وضعت نفسها تحت إمرة الدولة  بدون أدنى مطالب، وإن تجرأ أي تيار برفع صوته والمطالبة ببعض الإصلاحات المعيشية فسيقولها على استحياء شديد.
 
أثر الدعوات التى أطلقها شباب 14 فبراير:
بدأ الشارع السني مراقباً للوضع في صمت، وسط تباين تفاعلات السلطة وعدم وضوح استراتيجيات معالجة مشكلة 14 فبراير من قبل الدولة، والتي لطالما اكتنفت قيادات الشارع السني تحت جناحها (الأصالة –المنبر وحتى تيار المستحدث منهما المستقلين) وسط انجذاب الشارع لأهداف الحركة التي بدأت اجتماعية وتركزت على المطالبة بحقوق المواطنين الإجتماعية. التغيير المبدئي في خطاب الدولة من خلال الوعود والاجتماعات السرية لقيادات المعارضة وتسريبها فيما بعد، بدأ يحفز الشارع السني لإعادة التفكير في ما يعرف بنظرية الخضوع والذي لطالما زج فيه!!!!! خصوصاً بأن المشاكل المعيشية الأخيرة والتي زادت وتراكمت وتفاقمت جراء الأزمة المالية قد تأثر بها ويشكل عام جميع المواطنين بدون خصوصية لأي طرف دون آخر، والتي ساهمت في ازدياد حنق التيار من الخوف بأن قد لا تكون لهم أي مساهمة فعالة في مظاهر الحراك السياسي بسبب قيادات الشارع والتي كانت موالية بشكل كبير لتيار الدولة.
وتحت ضعط الحراك السياسي الغير متوقع من جمهور المعارضة، وصبغ الشارع السني بالصمت وبالخضوع بالرغم من أنه يتقاسم مع الشارع المعارض نفس المعاناة والمشاكل المعيشية، ولدت فكرة التنفيس عنه بالتلويح له بتجمع مرخص برعاية الدولة ليطرح أفكاره ومطالباته المعيشية بطريقة النقد المقبول وطرح الطلبات وذلك كله في حدود الإطار المسموح به من الدولة (هم يسألوا ونحن من سنعطي )!! .. فهل كان تحرك فبراير هو العامل المحفز CATALYST  ، الذي حفز الخمول السني  وقبله حفز الدولة على السماح لهذا العامل أن يؤثر على تفاعلات الشارع السني، والتي استفادت منه الدولة لاحقاً في تحجيم جنوح المعارضة نحو المطالبة باسقاط النظام ...
ويبدو أن الجمهور قد استساغ الفكرة ونمط النقد في قالب معارض مقبول لدى الدولة، ومن هنا ولد ما يعرف بالشارع المعارض السني والذي كان محرماً بغلظة خلال فترة التسعينيات وحتى خلال فترة الإصلاح ... ولكن وبسبب ضبابية سلوكه تم وصمه بجملة فضفاضة وهي "معارضة المعارضة"، ويبدو أن هذا الاصطلاح لاقى قبول من الدولة ايضاً، لأن هذا هو أساس تشكيل التجمع وقد ذُكر هذا جليا في التقرير السياسي للتجمع، والذي أكد أن الدولة تستخدم هذا المكون لضرب المعارضة.
 
معضلة الوفاق تقابل معضلة الدولة !
في هذه المعادلة المتزنة بين الوفاق وائتلاف 14 فبراير هل تواجه الحكومة معضلة؟؟ لا شك أنها تواجه معضلة كبيرة، فحقبة المشروع الإصلاحي لعشر سنوات قد انتهت، ولم يعد لها قبول ..  بل لا يمكن تسويقها بأي طريقة من الطرق، فالوضع الدستوري المشلول يحتكر كل السلطات في يد السلطة التنفيذية، أما السلطتين التشريعية والقضائية فهم أقرب ما يكونون "للديكور الجميل" الذي في النهاية يبرز لنا صورة نرى فيها دولة دستورية مكتملة الأركان من ناحية الإطار العام !!. ولكن ..... وربما تكون من الإيجابيات القليلة للأزمة، أنها أثبتت "عبثية" هذا الأمر.

الآن يجد الحكم نفسه أمام طريقين ... الطريق الأول سيكون إما كسر التوازن بضغط أشد يكون حده الأقصى إغلاق وحل وتصفية جمعية الوفاق!، وبهذا سيميل التفاعل المتزن جهة التطرف وسيزداد العنف وسيصبح الوضع أكثر دموية في مرحلة لم نخرج منها بعد، وهي مرحلة الربيع العربي .. ستنكسر المعادلة وسيتوجه الشارع لتأييد الأطراف الأكثر تشدداً، وقد تعم فوضى كبيرة ستنعكس على الوضع المعيشي والإقتصادي المتدهور أصلاً وسندخل نفقاً أشد ظلمة لا نعلم نهايته.... الطريق الآخر هل تستطيع الدولة احتواء الوفاق وتخفيف الضغوط بحيث يتحول التفاعل الى اتجاه واحد، وهو عزل المتشددين؟؟ وهل ستقبل دفع الثمن بإجراء تغييرات جذرية في "الديكور الجميل" تختلف عن سلوك مضى عليه أكثر من ثلاثة قرون في في احتكار السلطة؟؟
في الجهة الاخرى تواجه الوفاق معضلة من نوع آخر، نستشفها بالرجوع قليلاً للحوارات التى تواصلت في شهري فبراير ومارس من العام الماضي، والتي بدأت بتصريحات متتالية من قبل قيادات الوفاق عن الدولة المدنية والدعوة لها. تعريف الدولة المدنية: هي الدولة التي تفصل الدين عن السياسة، فهل تستطيع الوفاق نزع العباءة الدينية التي تظللها، خاصةً أن للمذهب الشيعي خصوصية فريدة تعطي رجل الدين قدرة كبيرة من التأثير، فهل تستطيع الوفاق النأي بنفسها عن المجلس العلمائي؟ وهل تستطيع إقناع شركائها في الوطن بهذا؟؟.
 
معضلة شارع الفاتح والقائمين عليه:
تتجسد المعضلة الرئيسة التي يواجهها هذا المكون هي صعوبة خروجه من العباءة الحكومية، وبالتالي أصبح الكثيرين يرون تصريحاته انعكاساً لما تريده السلطة، ونرى ذلك جليا في شكوى هذا الشارع المستمر من التهميش .. ولن يخرجه من هذه الحالة إلا وضع ديمقراطي أكثر تطوراً يؤدي إلى إفراز ممثلين حقيقين وشخصيات سياسية أكثر براغماتية قادرة على التواصل مع الطرف الاخر المعارض للوصول إلى توافقات حقيقية متوازنة، لأن قياداته السياسية الحالية تواجه معضلة أخرى لأنها ترى أن أي حل سياسي ناتج عن عملية ديمقراطية سليمة قد يؤدي إلى تمكين سياسي للطرف المعارض الذي ما فتئ يصفه بالخيانة منذ ما يزيد على 18 شهراً.
شارع الفاتح وصل إلى مرحلة من التشتت والضياع بين سلطة لا تعيره اهتماماً وبين جمعيات سياسية تتسلق وتبحث عن مصالحها بإسمه، وفقد القيادة الشعبية الرشيدة التي تمتلك رؤية و"كاريزما" قادرة على ضبط العلاقة مع المكون الآخر ومع السلطة على نفس المسافة من كليهما، بحيث توصلنا إلى توازن كيميائي دقيق من نوع آخر يجمع المكونات الثلاثة بشكل متوازن ومتوازي ومثالي.
 
فهل تحمل لنا الأيام القادمة القريبة والبعيدة منها تفاعلات جديدة تؤدي إلى توازن كيميائي بحريني مقبول بين جميع الأطرف .. توازن فريد من نوعه لم يعهده المواطن من قبل ... فلنترقب ... ولنراقب بصمت ..

ليست هناك تعليقات: