قراءات للمشهد السياسي
واستشراف سيناريوهات حل الأزمة البحرينية
"الجزء الثاني"
نكمل معاً هذا الجزء من المقال وتجدون فيه:
قراءة في استراتيجيات الحكم للأزمة
أ. إستراتيجية إرهاق الخصوم – سياسة ملكة النحل
ب. استراتيجية الاسترخاء – التهيئة لما قبل الحل
قراءات في إستراتيجيات الحكم لحل الأزمة
الأسئلة التي تدور في أذهان الأغلبية ..
- ما هي الإستراتيجيات التي تتبعها الدولة بعد أن استعادت الدوار من المعتصمين؟
- هل هي استراتيجيات وخطط مفصلة؟
- هل هي اجتهادات فردية قائمة على المزاجية والتجريب؟
- هل هناك امر آخر خفي يدور خلف كواليس المشهد السياسي لا يراه العامة من الناس ؟؟!
- هل السلطة تميل الى إدارة الأزمة لأن أي حل سيكون مكلف ؟
وبعد تقرير لجنة تقصى الحقائق، يمكننا أيضاً استنباط بعض الاستراتيجيات التي اتبعتها الحكومة والتي قد توصلها إلى حل الأزمة في النهاية .. فما هي هذه الاستراتيجيات؟ وهل هي واقعية؟ وهل يكمن الحل فيها؟؟.
كل ما سأذكره الآن هو اجتهاد فردي خالص نتج عن مراقبتي للوضع السياسي وعن دراسة مستمرة لقرارات الحكومة وحاولت ربطها باستراتيجيات متبعة .. أوضحها كما يلي ..
أ. إستراتيجية إرهاق الخصوم – سياسة ملكة النحل
هذه الاستراتيجية تم اتباعها ولا زالت تتبع .. فالأزمة أفرزت الكثير من الأطياف المعارضة التي ترى أن أي حل لا يتم ولن يكون مقبولاً إلا بترضيتها !! .. فمن مفرزات الأزمة أنها جعلت الكل مُسَيَّس حتى النخاع، هناك أطباء .. مدرسين .. مهندسين .. محامين .. حقوقيين .. سجناء .. معذبين .. مفصولين .. كل هذه الفئات وصلت لمرحلة من الإحساس أنها أصبحت تتمتع بقدر من المعرفة السياسية يمكنها من تصدر المشهد السياسي.
لازلنا نعيش هذه الاسترتيجية لهذه اللحظة، ونرى فيها بكل وضوح اختفاء العديد من الشخصيات المعتمدة على وسائل التواصل الإجتماعي بشكل خاص، وأيضاً خروج العديد ممن حاولوا تسيد المشهد السياسي في ذروة الأزمة، فمنهم من خرج طوعاً ومنهم من تم إبعادهم إما قسراً كما في حالة الناشط نبيل رجب أو استهلاكاً .. وتم استخدام سياسية تذويب الخصوم في إنهاء رمزية البعض ممن قام على تجمع الفاتح بإخراجهم بصورة متذبذبة وبتصريحات متناقضة تُعطي الإيحاء بأنهم مجرد صدى لما تريده السلطة .. أو سياسة المحاصرة والتخويف والتفريق التي استخدمت في شق تيار الفاتح إلى تيارات متعددة متنافرة، تصل في النهاية بأن كل طرف إما يحرق خصمه أو يحرق نفسه أمام أنصاره !!.
والملاحظ أن استراتيجية ارهاق الخصوم التي اتبعتها الحكومة وجدت صدى لدى جمعية الوفاق .. لأن هذه الاستراتيجية ستقصي الكثير من الأطراف التي حاولت أن تكون رقماً في المشهد السياسي .. لذلك وكما يبدو لي أن جمعية الوفاق ليست على عجلة من أمرها ولا تحبذ إبرام تسوية إلا بعد تساقط كل الخصوم التي أفرزتهم الأزمة !.
خلاصة القول هنا بأن استراتيجية ملكة النحل - ارهاق الخصوم:
1. أخرجت الأطراف التي ولدتها الأزمة من الساحة السياسية
2. تعددت أساليب الارهاق للخصوم: تهديد أمني – أقصاء – محاكمات - عزل – تذويب – تفريق
3. هدفها الرئيسي حصر تكاليف الحل السياسي على الفئات التي تشكل خطر أكبر أو لها صدى قوي.
استراتيجية الاسترخاء – التهيئة لما قبل الحل
لا يمكن طرح أي حل في وجود أجواء مشحونة ومتأججة .. فالسعي للإسترخاء وتهدئة الجزء الأكبر من المجتمع هو أمر ضروري جداً، عن طريق عدة قرارات حاسمة وغير قابلة للتأويل من قبل السلطة التنفيذية، تبدأ هذه الخطوات:
أولاً بمحاسبة من قام بالانتهاكات التي حصلت في الفترة السابقة والتي تم ذكرها في تقرير بسيوني بإسهاب. وهذه الاجراءات يجب أن تكون متبوعة بترشيد الفضاء الإعلامي وتنقيحه جيداً لإبعاده تماماً عن التشنجات الطائفية التي تنخر في نفوس البعض كمرض يصعب الشفاء منه، خاصةً في مواقع التواصل الاجتماعي. ويجب أن تتم هذه الأمور بمبادرات شجاعة وقرارات حاسمة موجهه لكل من يسعي إلى تعكير الأجواء سواء من أطراف المعارضة المتطرفة أو من أطراف الموالاة المتشددة .
ثانياً تحسين الوضع المعيشي من خلال زيادة الرواتب بشكل مجزي، على الرغم من تكرر إلحاح مجلس النواب على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، إلا أن هذا لا ينفي الضعف الواضح الذي يعاني منه المجلس النيابي بدءاً من شخصيات أعضائه إلى محدودية صلاحياته وبساطتها. قد تكون الزيادات المجزية في القطاعين الخاص والعام عبر صندوق خاص محفز ومنعش للإقتصاد ودورته، بغض النظر عن الحراك العقاري الناشئ بسبب الدعم الخليجي في البحرين. ولكن تبقى مسألة زيادة الرواتب يحيط بها بعض الجدل لكون تأثيرها سيكون مباشر على التضخم وأكثر من سيتاثر بهذا الأمر هم أصحاب المداخيل الصغيرة والتي ستتآكل مداخيلها بسبب ارتفاع الأسعار كنتيجة مباشرة لهذه الزيادة، وأرى أن هذه الشريحة هي التي يجب أن تحوز على الأهتمام الأكبر من الدولة.
ثالثاً الابتعاد عن الإقصائية في المناقصات الحكومية والابتعاد كذلك عن التوظيف على أسس طائفية، ويجب أن يكون معيار الكفاءة هو معيار المفاضلة، لأن هذا الأمر قد يؤدي لتعكير هذا الاسترخاء المطلوب والمهيئ للحل، فأساس الحراك هو المطالب المعيشية في المقام الاول.
مرحلة الاسترخاء فترة مفصلية في حل الأزمة وأجزم أن الحكم والمعارضة يملكون تجارب ثرية في الوصول لتوافقات مرحلية تؤدي لنجاح هذه الاستراتيجية قصيرة المدى، بالغة التأثير وعظيمة الأهمية.
والمحصلة أننا لن نصل إلى مرحلة استرخاء جيدة الا بإتباع التالي:
1. محاكمات عادلة لكل من تجاوز سلطته في إيذاء الآخرين، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بإصلاح القضاء.
2. الالتفات للمشاكل المعيشية وحلحلتها
3. ترشيد الفضاء الإعلامي من جميع الأطراف بقوة القانون
4. الابتعاد عن النظرة الطائفية الضيقة
انتهى الجزء الثاني ..
في الجزء الثالث من هذا المقال نجيب عن التساؤلات التالية:
بعد مرحلتي إرهاق الخصوم وفترة الاسترخاء، كيف ستجبر الأطراف المتشددة من الموالاة والمعارضة على قبول الحل ؟
كيف سيكون الحل الدستوري المقترح؟
كيف سيكون وضع مجلس الشورى ؟ وهل سيتم تقليص صلاحياته؟
وهل ستتغير آلية تشكيل الحكومة؟
سنتابع معاً إجابات هذه الأسئلة في الجزء الأخير
أخــوكم .. أبـوعمــر الشـافعي
هناك تعليق واحد:
أولا اشكرك على مدونتك الرائعة ارجو ان تلقي نظرة على موضوعي
http://bit.ly/XDsVG6
حيث يكمل موضوعك بطريقة غير مباشرة وتقبل مني مروري وشكري
مترجم الثورة
إرسال تعليق