الخميس، أغسطس 01، 2013

أزمة البحرين ... خيوط الصوف المتشابكة – 2


أزمة البحرين ... خيوط الصوف المتشابكة –
" العصا والجزرة "

 
مع شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير نكون تقريباً قد أنهينا نصف السنة الثالثة من الازمة السياسية والأمنية التي تعصف في البحرين منذ 14 فبراير 2011م، ورغم الهدوء المصطنع الذي يحاول الإعلام الحكومي ترسيخه وبرغم انحسار إهتمام الإعلام الدولي في الأزمة البحرينية لصالح الثورة السورية والأزمة المصرية خاصة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي والجدل الذي صاحب ذلك، إلا أن ابتعاد البحرين عن الأضواء لا يعني انتهاء أزمتها بل هي ربما فرصة لالتقاط الأنفاس.   كُتبت هذه المقدمة قبيل انقلاب المشهد بشكل مثير إثر حادثة تفجير سيارة أمام جامع الشيخ عيسى بن سلمان في الرفاع الغربي.


الجمود سيد الموقف
تميزت الشهور الماضية بالجمود على المستوى السياسي وإن كانت هناك زيارات محمومة مكوكية قام بها ولي عهد البحرين للدول التي تملك نفوذ في منطقة الخليج خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالاضافة لغيرها من الدول، وخرجت بعض التسريبات بأن ولي العهد يقوم بالتسويق للحل قبل طرحه ليحظى بدعم اقليمي ودولي، وكان ذلك جلياً في تصريحات عبدالنبي سلمان أمين عام جمعية المنبر التقدمي التي اتخذت موقفاً أكثر مهادنة مع السلطة مقارنة ببقية الجمعيات، حيث يجبر المعارضة على القبول به بخاصة أن شارعها قد أصابه الإنهاك الشديد بسبب السياسة الأمنية والتهميش المتواصل لفئات المعارضة المختلفة. أما جمعية الوفاق فقد كان ردها أكثر وضوحاً وهو الاستمرار على ذات النهج متهمة السلطة بالإستبداد والدكتاتورية.



الدولة والجمعيات السياسية
الدولة وجمعيات إئتلاف الفاتح "سياسة الإستتباع"
العلاقة شديدة الوضوح بين نخب الجمعيات السياسية الموالية التي يغلب عليها اللون السني والقائمة على التبعية وتصريح "الريموت" المشهور أحد تجلياتها. والمراقب للإعلام الحكومي والصحافة الحكومية يصل لاستنتاج مفاده أن أي تصعيد سياسي صادر من الحكومة يتبعه بروز للشيخ عبداللطيف المحمود وبقية رؤساء الجمعيات في الصحافة، وقضية السفير الأمريكي مثال واضح على ذلك. كذلك التزامن بين أي تصعيد أمني على الأرض نرى قبله تصعيد في التصريحات من قبل هذه النخب، وكأن هناك جهة واحدة قائمة على تنسيق التصريحات بين كتاب الأعمدة والصحف من جهة وذات النخب السياسية من جهة أخرى. هذا "الإستتباع" أفقد هذه الجمعيات أي تأثير على مستوى الشارع والذي يعتبره الحكم حاضنته التاريخية واستمرار السيطرة عليه أمر محتوم، إما من خلال المكرمات أونظرية "انتو عيالنا" أو طاعة ولي الأمر أو برفع العصا الغليظة لمن حاول أن يخرج من هذه الدائرة إما بالحرمان أو بالتسقيط عن طريق الصحافة أو "القروبات" المعروفة بالتخوين والإزدراء.
الإخوان المسلمين في البحرين ولعبة الكراسي الموسيقية
برغم ما يملكه الإخوان المسلمين من تاريخ سياسي ثري على مستوى الدول العربية، إلا أن تفاعلهم في الخليج كان يشوبه الاضطراب بسبب بحثهم عن مصالح آنية للتنظيم على حساب المصلحة الوطنية الجامعة. نستذكر الموقف "الشاذ" للإخوان المسلمين في الكويت أثناء الغزو العراقي، بل وصل موقفهم لدرجة الإنحطاط السياسي البعيد كل البعد عن الاجماع الوطني الكويتي (يمكن الرجوع لشهادة الشيخ سعود ناصر الصباح في هذا الشأن). وفي البحرين كذلك اتجه الإخوان لجني الغنائم حتى لو كانت فتاتاً من خلال مواقفهم التي تميزت بالإقصائية الشديدة تجاه طيف كبير من المواطنيين وتجلت أشدها في "سُعار الفصل" الذي كان ملاحظاً بشكل جلي في الوزارات التي كانت محسوبة على الأخوان أو من كان الإخوان يسيطرون على بعض إداراتها العليا والتي أصبحت الأشد إقصائية، ولا ينفي مشاركة غيرهم في حملة السُعار الطائفي إلا أن موقفهم كان الأكثر بروزاً.
دخل الإخوان المسلمين من خلال ذراعهم السياسي "جمعية المنبر الوطني الاسلامي" الأزمة بروح المتسابق المتلهف للحصول على مراكز متقدمة متميزة نفوذاً وحظوة، ولم يدر في خلدهم أن سياسية الأزمات هي أقرب للعبة الكراسي الموسيقية التي يبقى فيها فائز واحد فقط يحتفظ بالكرسي الأخير، ولاشك أن الحكم والحكومة هم من يمتلكون القوة والحلفاء والنفوذ والشرعية للاحتفاظ بالكرسي الأخير وبالتالي جاء الدور على الاخوان للخروج من اللعبة مؤقتاً ربما أو لحين البدء في لعبة جديدة. الواقع المصري يضغط على إخوان البحرين بشكل مضاعف ولا يبدو أن علاقة المصاحبة مع الدولة ستستمر على نفس الرتم السابق.
إئتلاف شباب الفاتح بروح جديدة

"شباب الفاتح تغير كثيرا وربما لا نستطيع رؤية هذا التغير ولكن بتغير اللعبة السياسية وفي خلال سنوات سنتفاجأ بشباب أكثر عقلانية وأكثر جرأة في الطرح، وأكثر قبولا للآخر المختلف معهم فكريا وعقديا" ...

كانت هذه جملة مقتطعة من المقابلة الصحفية التي أجريتها مع صحيفة الوسط العام الماضي، ويبدو في العام الحالي أن شباب الفاتح قد نفض الغبار عن نفسه وبدأنا نسمع لغة طرح مغايرة أقرب للتوازن وتفترق كلياً عما تصدره جمعيات الفاتح العجوزة، والمراقب لتغريداتهم ومقالاتهم المتعددة يستنتج أنهم لا يريدون استمرار "سياسة الاستتباع" التي تمارسها السلطة على النخب السياسية لجمعيات ائتلاف الفاتح، ويكفي تبنيهم لوثيقة حل سياسية للأزمة بشكل رسمي وإن اختلف الآخرين معهم في سقفها إلا انهم صنعوا موقف منفرد يُحسب لهم ويحرج جمعيات "الريموت كونترول" حسب تسميتهم ووصفهم لها. ولكن هل سيسمح النظام الابوي لأبناءه أن يشبوا عن الطوق ويشقوا طريقاُ ثالثاً "شاباً" بين معارضة شرسة وموالاة مرتهنة؟ وهل سيحتاجهم الحكم لإضفاء شرعية مضاعفة على أي تغيير قادم؟ أم هل ستمارس عليهم الضغوط ترغيباً وترهيباً للركون والصمت والقبول بثنائية المعادلة؟ أم هل سيطلق الشباب صرخة مدوية باستقلال شخصيتهم الاعتبارية وعدم قبولهم للتهميش كما قالها إحسان عبدالقدوس في روايته الشهيرة "لن أعيش في جلباب أبي؟".
الدولة والجمعيات المعارضة "سياسة التخادم"
  
منذ بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك قامت العلاقة بين الحكم و الجمعيات المعارضة (الوفاق تحديداً) على سياسة التخادم ومع فتح المجال للمشاركة السياسية للجميع - وإن كانت محدودة - كان المطلوب من الجمعيات احتواء الشارع وكأن الجمعيات تصد غلو ومطالبات الشارع مقابل مشاركة نخبها السياسية في اللعبة السياسية والحصول على جزء من الكعكة إما على مستوى الحضور التشريعي والرقابي أو حتى تطعيم الحكومة ببعض الأشخاص المحسوبين على المعارضة سابقاً، ويبدو للمتتبع للأمور أن هذه السياسة مستمرة كون الوفاق تملك شارع مسيّس قادرة على توجيه بوصلته في مناكفة السلطة.
فهل سيتم تطوير هذه السياسة التخادمية بشكل أكبر بحيث يتم زيادة الجزء من الكعكة لجمعية الوفاق لتواصل لعب الدور نفسه إقتناعاً منها بنظرية خذ وطالب ؟.. ربما ..  

الإعياء وخيوط الصوف المتشابكة

عندما تكون خيوط الصوف شديدة التعقيد ومتعددة الألوان والأحجام والأشكال ومع الإعياء المستمر يصل الشخص المنوط به فك طلاسمها وعقدها الى مرحلة من الإعياء والتعب لدرجة أنه يقوم بخلطها بشكل مستفز لكي يبدأ مجدداً بتفكيكها فهل دخلنا مرحلة خلط الصوف (خلط الأوراق) مرة أخرى ؟. حينما كانت الحوارات تجرى في العرين وبعدها مدينة عيسى، كانت هناك حوارات أخرى تجرى في مدينة الضباب بعيدة عن الأعين وفي أماكن أخرى، وكثير من الناس يدركون أن الحوارات الجارية ليست سوى صورة "ديكورية" لحوار بين ممثل الحكم والمعارضة، لا لشيء إلا لأن هذين الطرفين هما الوحيدين الذين تجمعهما علاقة تخادم لا إستتباع والقضية هي تنازلات وتنازلات مقابلة. في الفترة القليلة الماضية حصلت بعض المؤشرات التي تبدو متناقضة :-


المؤشر الأول:
تصريح عبدالنبي سلمان بخصوص قرب الحل وأنه لن يكون مرضي للجميع ولكن لابد من القبول به والبناء عليه بدون أي تسريبات لسقف هذا الحل، بذات الوقت تعرض الوسط "آفاق الحل عبر مقترح منظمة بريطانية" وهي ذات سقف منخفض بالنسبة للمعارضة، ثم تزامن معها براءة بعض منسوبي الأمن من تهم التعذيب والذي تراه المعارضة استمراراً لسياسة الإفلات من العقاب.
المؤشر الثاني:
تصعيد على هيئة تفجيرات متعاقبة كان آخرها في الرفاع الغربي وضاحية السيف تبعه تصعيد الخطاب الحكومي والتحريضي على قيادات المعارضة بشكل لم يسبق له مثيل تبعة اجتماع المجلسين في صورة فلكلورية نمطية للمجالس التشريعية العربية في خطاب تصعيدي من اتجاه واحد وتم إصدار التوصيات بعد دقائق من نهاية الجلسة دون السماح للمناقشة في عرف عربي وتقليدي مقيت (إجماع).
المؤشر الثالث:
وهو تتمة للمؤشر الثاني حيث خرجت الصحف بتصريح مقتطع لسمو ولي العهد يطالب فيه المعارضة بالإعتذار، قابله الشارع المعارض بردود فعل مستهجنة وساخطة ورافضة له في وسائل التواصل الاجتماعي بخاصة أن ولي العهد لازال بنظر الجمعيات السياسية المعارضة هو رمزا للإعتدال.

المؤشر الرابع:
تواصل التصعيد الحكومي الواضح في جديته لتنفيذ هذه التوصيات وكأنها العصا الغليظة المسلطة على المعارضة في ذات الوقت يتم تسريب تسجيل صوتي لسمو ولي العهد (أميل إلى أنه تسريب مقصود) أعاد قضية الاعتذار للتفاعل مرة أخره بشكل لا لبس فيه، مطالباً كل الأطراف بالاعتذار عما صدر من أخطاء. بالإضافة إلى أنها الجزرة الموجهة للمعارضة عودوا إلينا وستشتركون في العملية السياسية بفاعلية وإن لم تستجيبوا فعصا التوصيات لازالت مرفوعة.
المؤشر الخامس:
وهو الاكثر أهمية ونستقيه ايضاً من التسجيل المسرب لسمو ولي العهد فقد حصلنا على تأكيد بأن الحوار مازال متواصلاً بين الحكم والكتل السياسية، والحوار الظاهر القائم حالياً قد استخدم كتغطية لما يجري فعلياً في الحوار الباطن، وكون الوفاق على رأس الكتل السياسية المتحاورة وهي من تملك الشارع وتفعّل سياسة التخادم المذكورة سلفاً، فهل سيربك هذا التسريب شارع الوفاق ويجعله يتساءل عن غياب الشفافية بينه وبين جمعيته؟ وهل سيبدأ شارع الفاتح المغيب في التفكير بأن نخبه السياسية العجوز لا طائل منها وسيبدأ في البحث عن البديل؟ فهل سيستغل شباب الفاتح هذه الحيرة ليكسب المزيد من الأنصار؟

الصوف المتشابك وصل لطريقين لا ثالث لهما

خلاصة القول أن المعارضة أصبحت محشورة في "زاوية" وهي أمام طريقين فإن اختارت الصمود والمواجهة وإعطاء غطاء سياسي لحركة تمرد فستواجه الحل الأمني والعصا الغليظة المتمثلة بالاثني والعشرين توصية التي رفعها المجلس الوطني والدخول في موجة إنهاك جديدة تطال الجمعية والشارع الشيعي على وجه الخصوص، وقد يستمر الإنهاك الى ما بعد الإنتخابات النيابية القادمة وبذلك ندخل في أربع سنوات عجاف. أو أن تقبل المصالحة والمصارحة والإعتذار المتبادل والدخول في لعبة سياسية مرسومة تحصل من خلالها على بعض التنازلات الحكومية الغير جوهرية لتهيئة الشارع للقبول بالحل. في مقابل ضخ السلطة لمحفزات مالية يتم استقطاعها من المارشال لتهدئة الشارعين ..
ومع وضوح الطريقين طريق العصا وطريق الجزرة، إلا أنه لازال هناك عقد صوف صغيرة وكثيرة في كلا الطريقين بعد الخلط المتعمد، فهل سيتم حلها أم سيتم شدها لتزداد العقد قوة ويصعب حلها في ما بعد ؟
راقبوا بصمت مثلي فربما تصلون لاستنتاج أموراً لا أراها ...

 أخــوكم ... أبـو عمــر الشــافعـي


ليست هناك تعليقات: