الخميس، يناير 31، 2013

البرلمان .. بين مصارحة الشيخ عبدالأمير الجمري وواقع السيد خليفة الظهراني


البرلمان ..
بين مصارحة الشيخ عبدالأمير الجمري وواقع السيد خليفة الظهراني


بعد أحداث 14 فبراير2011م ثار لغطٌ كبير حول البرلمان وأداءه، سواء أثناء الأزمة أو ما سبقها في الفصول التشريعية الأولى للعهد الإصلاح. وربما الحدث الأكثر وضوحاً وقرباً لتبيان الأداء الهزيل للبرلمان والنظرة الدونية من قبل السلطة التنفيذية للمجلس التشريعي - الذي يجب أن يكون نداً لها من حيث الصلاحيات والأداء - هو ما ذكره معالي السيد خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب في تصريحه لصحيفة البلاد الصادرة في 24 يناير 2013م، حيث قال في لهجة لا تخلو من مرارة: "إن القائمين على الجولة الجديدة من الحوار لم يدعوا المجلس، ولم يتلقى المجلس أي رسالة دعوة لذلك حتى ساعة الإدلاء بالتصريح، ورأى أن النواب منتخبين من شعب البحرين ويمثلون ثقلاً شعبياً وازنا وأطيافاً متعددة ومن الأفضل دعوتهم".
 
في كلام الرئيس عوضاً عن المرارة، نلاحظ أيضاً تخليه عن مسؤليته كرئيس للبرلمان، فهو يجعل الخيار بيد وزير العدل إن شاء دعى النواب وإن لم يشأ فلن نعمل شي! وهو ما يعزز التبعية الكاملة للحكومة، وهذا في حد ذاته يهشم ما كانت تريد الدولة إبرازه للعالم في العقد الماضي وهو إظهار الدولة بإطار دستوري مشابه للديمقراطيات العريقة.


لعل هذه المقدمة تعيديني عقداً من الزمان للوراء لأستذكر تصريحاً لرجل عايش السياسة واكتوى بنارها وهو الشيخ عبدالأمير الجمري رحمه الله، إذ قال في خطبة له بعد إصدار دستور 2002 أنقلها اقتباساً: "أقف أمامكم لا يائساً ولا قانطاً ولكن مصارحاً وناصحاً وأمانةً للتاريخ، فليس هذا هو البرلمان الذي ناضل من أجله الشعب سنة وشيعة ..".
بالنظر لكلام الرجلين ووضعه في الميزان نتساءل، أيهما الأصح؟ وأيهما الذي استوعبه الشارع بجميع أطيافه؟.
قد لا نجد إجماع وتوافق في الشارع البحرين من قناعة الشيخ الجمري بالبرلمان منذ عشر سنين خلت، فوجهة نظر المعارضة بل وأدبياتها المنشورة والواضحة لم تتغير رغم مشاركتها فيه في الفصول التشريعية السابقة إلا أنها ولعدة أسباب كانت ومازالت تقول أن هذا البرلمان ليس هو البرلمان المنشود الذي سعينا إليه، وبالتالي فهذا الرأي هو رأي الشارع المعارض بأغلبيته الشيعية.
أما عن الشارع السني فقد توصل لذات الاستنتاج حين رأى الأداء الهزيل للمجلس النيابي في ثلاث فصول تشريعية، وربما الكاتبة الصحفية سوسن الشاعر والتي كانت المنافحة الاكبر عن التجربة النيابية والأكثر تسويقاً لصلاحيات المجلس قد توصلت لقناعة أن الإشكال ليس في الصلاحيات بقدر ما هو في الشخوص وأن السلطة هي التي تختار بعض نوابها. بينت ذلك في مقالها في العدد 2595 من صحيفة الوطن، حيث قالت: "تم التدخل الناعم في بعض الدوائر كي ينجح فلان وينسحب فلان لضمان وجود عدد من الأصوات المواليه بالشكل الأصم".. وبذلك هي تضع اصبعها على مكمن الخلل وهو الخلل في العملية الانتخابية التي تؤدي الى برلمان أصم لا يستطيع اتخاذ أي قرار بمعزل عن إرادة السلطة التنفيذية لما يشوب العملية الانتخابية.



كان حراك التسعينات يستمد قوتة من مظلومية واقعة ناتجة عن حل برلمان 1973م، ويعد امتداداً للحراك الوطني في الخمسينات والستينات برغم اقصاء الطائفة السنية من المشهد السياسي والمطلبي تماماً بطرق مختلفة ومتعددة، مما أدى لوسم الحراك "بالطائفي".
ولكن مع وصول جلالة الملك لسدة الحكم، بدأ مشروعه الإصلاحي الذي بجد أربك الشارع المعارض الذي تعود لثلاثة عقود على سياسة مغايرة تماما، ووصلت المعارضة أو معظم نُخب المعارضة الى استنتاج مفاده أن السلطة استوعبت باكتفاءها بالسلطة التنفيذية مقابل سلطة تشريعية ورقابية تنتقل للشعب بطائفتيه، وكان هذا يحقق شعار مرحلة التسعينات الذي رفعته المعارضه "البرلمان هو الحل" .. إلا أن هذه النشوة سرعان ما تبددت، إذ أصبحت المعادلة  كالآتي: الحكم سيحتفظ بالسلطة التنفيذية كاملة غير منقوصة مقابل أن تُمنح المعارضة النصف إلا قليلا من السلطة التشريعية والرقابية ويتم تطعيم الباقي بتشكيلة من النواب الموالين سواء ككتل أو كمستقلين كما ذكرت الصحفية "الشاعر" في الفقرة السابقة، فتصبح سلطة البرلمان مُعطلة بنواب يتم دفعهم دفعاً لذات السبب.
وكان حصاد هذه السياسة مُر، إذ بان عوارها في 14 فبراير2011 في حراك شعبي كبير ومفاجئ وإن وسم بالطائفية، إلا أن عدم رضا وعدم قناعة مكون رئيسي في المجتمع عن الوضع له دلالة، وبذات الدرجة بدأ الشارع السني بالتململ مما يشاهد ويقرأ في تقارير ديوان الرقابة المالية والتي تظهر فساداً سافراً مرفوداً بوضع معيشي ضاغط جعله يتساءل، وإن كانت تساؤلاته هامسة حيناً وصاخبة أحياناً أخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المشهد النيابي ..
من قراءتنا للمشهد النيابي نصل إلى ذات الاستنتاج الذى سبقنا إليه الشيخ عبدالأمير الجمري رحمه الله، فمثل هذا البرلمان الذي كان مُغيباً تماماً خارج أزمة سياسية ومجتمعية عاصفة، هل باستطاعته أن يحوز الثقة ويملك صفة تمثيلية بعد ذلك؟؟
باعتقادي ..إن أم المشاكل هي: "البرلمان لا يعكس الإرادة الشعبية". وهذا مكمن الخلل ودلل على ذلك الأداء الباهت الضعيف للمجلس، والإحساس الدوني الشديد الذي يعيشه أعضاؤه، وإلا فلماذا تستجدي رئاسة المجلس وزير العدل أن يُشركها في الحوار، مع امتلاكه - المجلس – الصفة الدستورية التي كان يفترض أن تخولة حل أزمات البلد كونة السلطة الوحيدة التي تنبثق عن ارادة شعبية مباشرة. ويحق لنا أن نتساءل .. هل ستكون نتائج حوار التوافق الوطني تحقيق المطلب الرئيسي لحراك التسعينات وهو "برلمان كامل الصلاحيات" وسيتم تأجيل "مطلب الحكومة المنتخبة" لعقد آخر؟؟ أم سيكون نتيجة لأزمة جديدة يتم صناعتها خلال السنوات القادمة؟؟ ..
إذا كان حوار التوافق الوطني المزمع عقده في الأيام القادمة سينجح في الحصول على الاستحقاق الشعبي ببرلمان كامل الصلاحيات مقابل بعض المناصب كترضية لنخب سياسية تسيّدت الحراك، عندها يمكن التكهن بحدوث مشكلة جديدة مستقبلاً !! لسبب واضح وجلي، لأن السلطة ستنتهج نفس الخطأ السابق وهو إرضاء النخب السياسية وترك عامة الجماهير والتي هي أولى بالرعاية والاحتضان، فالنُخب السياسة والوفاق تحديدا كانت راضية وقانعة بحصتها في البرلمان إلى حدٍ ما، إلا ان ما جرها لهذه الأزمة الخطيرة هو الشارع المُغيب.



حقيقة ..
يجب الوقوف عندها ولا يمكن تجاهلها أو نسيانها وهي أن أطفال التسعينات قد شب طوقهم في حراك اللؤلؤ، وحتماً أطفال اللؤلؤ سيصبحون أكثر عنفواناً واندفاعاً بعد عشر سنين، وقد يطالبون باستحقاق "ثورة" طفولتهم .. وعلى القيادة في هذه المرحلة أن تستوعب أن المعركة قد تغيرت والمنتصر في المراحل القادمة سيكون الأذكى وليس الأقوى، والذكاء هنا باستيعاب الدرس وكلمة السر هي أن نحتوي الجماهير.. نحتضنها.. نجعلها تستشعر أبوة الدولة وحنوها وعطفها، فهي أجدى وأنفع وأدوم من احتواء نخب سياسية قد تسحب من تحتها البساط الجماهير يوما وتغير معادلاتها ..   

أخـــوكم
أبــوعـمـــر الشــافعـي

ليست هناك تعليقات: